من الطبيعي أن يشعر بعض الأطفال بالتردّد أو الخجل في المواقف الاجتماعية الجديدة، لكن عندما يصبح هذا الخوف عائقاً أمام تفاعلهم الطبيعي مع الآخرين رغم امتلاكهم ذكاءً لافتاً وقدرات عالية، فهنا ندخل في عالم القلق الاجتماعي الطفولي، أحد أكثر الاضطرابات الهادئة التي تمرّ أحياناً دون أن يلاحظها الأهل.
في هذا الموضوع، سنتناول ما هو القلق الاجتماعي عند الأطفال، أسبابه الخفية، علاماته، وكيف يمكن مساعدة الطفل على تجاوزه دون أن يشعر بأنه “مشكلة”.
ما هو القلق الاجتماعي عند الأطفال؟
القلق الاجتماعي هو خوف مفرط من الحكم أو التقييم السلبي من الآخرين. والطفل القَلِق اجتماعياً لا يخاف من الناس بحدّ ذاتهم، بل من فكرة أن يخطئ أمامهم، أو يُحرَج، أو يُستهزأ به. فيبدو أحياناً هادئاً أو منطوياً، لكنّه في الحقيقة يعيش معركة داخلية من الأفكار والشكوك مثل: "ماذا لو لم يحبوني؟" "ماذا لو ضحكوا عليّ؟" "ماذا لو قلت شيئاً خطأ؟"
واللافت أن هذه الحالة قد تظهر حتى عند الأطفال الأذكياء أو المتفوقين، لأن ذكاءهم يجعلهم أكثر وعياً بنظرات الآخرين وأكثر حساسية تجاه التقييم.
وغالباً ما يُربط الذكاء بالثقة بالنفس، لكن هذا ليس دائماً صحيحاً. الأطفال ذوو القدرات العالية يميلون إلى تحليل المواقف بعمق، فيرون تفاصيل لا ينتبه إليها غيرهم. هذه الحساسية الفكرية والعاطفية تجعلهم أكثر عرضة للقلق الاجتماعي.
فبدلاً من التصرّف بعفوية، يبدأ الطفل الذكي بتوقّع النتائج وردود الفعل. قبل أن يتكلم في الصف مثلاً، يفكر: "هل كلامي سيكون صحيحاً؟ ماذا لو سخر أحدهم؟ هل سيعتبرني الأستاذ متفلسفاً؟”
هذا التفكير الزائد يجمّد عفويته، ويخلق حلقة مفرغة من المراقبة الذاتية والخوف من الفشل.
دور الأهل دون قصد
أحياناً، يساهم الأهل دون أن ينتبهوا في تغذية هذا القلق، على سبيل المثال: "عندما يصفون الطفل أمام الآخرين بأنه “خجول” باستمرار. أو عندما يضغطون عليه للمشاركة الاجتماعية بطريقة قاسية (“ليش ما بتحكي؟ ما في شي يخوّف!”).
أو حين يقارنونه بأطفال أكثر انفتاحاً (“شوف ابن خالتك كيف بيحكي مع الكل”).
كل هذه الرسائل تُشعر الطفل بأنه غير كافٍ كما هو، فيزداد خوفه من الظهور.
كيف تلاحظين أن طفلك يعاني من القلق الاجتماعي؟
ليست كل عزلة أو خجل تعني وجود اضطراب، لكن هناك علامات تستدعي الانتباه، منها:
- تردّده الشديد قبل التحدث أو الإجابة في الصف رغم معرفته للإجابة.
- تجنّب الأنشطة الجماعية أو الدعوات الاجتماعية.
- التصاقه المفرط بالأهل في الأماكن العامة.
- التعرّق، احمرار الوجه، أو تسارع ضربات القلب عند مخاطبة الآخرين.
-رفضه المشاركة في المسرح المدرسي أو الأنشطة التفاعلية رغم تفوقه الأكاديمي.
إذا استمرّت هذه العلامات لعدّة أشهر وأثّرت على دراسته أو صداقاته، فغالباً هو قلق اجتماعي يحتاج للمساندة.
كيف تساعدين طفلك؟
1- ابدئي بالاستماع لا بالتصحيح: حين يعبر الطفل عن خوفه من المواقف الاجتماعية، لا تقّللي من شعوره بعبارات مثل “ما في شي يخوّف”. الأفضل أن تعبّري بتفهّم: "بعرف إنو بتحسّ بالخوف لما يكون في ناس كتار، خلينا نحاول سوا شوي شوي.”
2- قدّمي مواقف صغيرة للنجاح: ابدئي بخطوات تدريجية: التحدث أمام شخص واحد، ثم مجموعة صغيرة، ثم موقف عام بسيط. كل نجاح صغير يعزّز ثقته بنفسه ويبرمج دماغه على أن التفاعل ليس مخيفاً.
3- تجنّبي وصفه بـ"الخجول": هذا الوصف يتحوّل مع الوقت إلى هوية نفسية يصعب التخلّص منها. استخدمي بدائل إيجابية مثل: “يحتاج وقتاً ليتأقلم” أو “يفكر قبل أن يتحدث”.
4- شاركيه القصص والنماذج: اقرئي له قصصاً عن شخصيات مرّت بتجارب مماثلة وتغلّبت على الخوف. الأطفال يتعلمون من النماذج أكثر من المواعظ.
5- شجّعيه على التعبير العاطفي: علّميه تسمية مشاعره (“أنا متوتر”، “أنا محرج”)، فالتعبير يقلّل من حدّة الخوف.
6- استعيني بأخصائي نفسي عند الحاجة: في الحالات المتقدّمة، يمكن للعلاج السلوكي المعرفي أن يساعد الطفل على مواجهة المواقف الاجتماعية تدريجياً وتعديل أفكاره السلبية عنها.
لديكم تساؤلات حول المشاكل أو الاضطرابات النفسية؟ الأخصائيون يمكن أن يجيبوا عنها من خلال استشارة الكترونية تحجزونها عبر موقع www.sohatidoc.com
تابعوا المزيد من المواضيع حول الصحّة النفسية عبر موقع صحتي:


ما رأيك ؟